العقيدة السليمة أساس في التربية السليمة...
أ / عادل القللى
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه،حمداً يوازي نعمته علينا بالإسلام إذ أنزل إلينا خير كتبه،وأرسل إلينا أفضل رسله وشرَع لنا أفضل شرائع دينه ، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس والصلاة والسلام على خير البرية ،وآله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد .....
إن العقيدة من أخطر الأمور أهمية في حياة الأفراد والمجتمعات؛ لأهميتها في ذاتها ثم لأثرها في الأفراد والمجتمعات، وقد أولى الشرع العقيدة اهتماماً بالغاً فجعل الحد الفاصل بين الخلود في الجنة أو في النار إنما هو بصحة العقيدة أو بفسادها وللعقيدة أهمية أخرى وهي تأثيرها على معتنقيها أفراداً وجماعات فهي وحدها التي تتسبب في حدوث الأمن النفسي وعدم اليأس أو الخوف من المستقبل وهي وحدها الموصلة إلى محبة الله الخالق وشكره مما ينبثق عن ذلك هداية ورحمة بين الأفراد والمجتمعات.
إن العقيدة السليمة أساس في التربية السليمة ، لأن غير المؤمن لا هدف له ، ولا نظام في حياته ، يتخبط تخبط عشوائى ، يخضعه الشيطان لأهوائه متى شاء وكيف شاء، ونحن إذا نظرنا إلى أحوال المسلمين في عصرنا هذا نجد جميع المسلمين يؤمنون بالله ولكن سلوكهم يعبر عن ضعف في الثقة بالله ،إننا عندما نتذكر ما كنا فيه قبل 25 يناير 2011 من ظلم وفساد لم يكن الكثير منا يظن أن هذا الحال سيتغير و كان النظام السابق يحاول أن يزرع في نفوسنا استحالة تغير هذا الواقع وزرع اليأس فينا على الرغم من علمنا بأن اليأس ليس من أخلاق المؤمنون و الكثير منا نسوا أن الله َ هو الحق وهو القادر وان الله لا يرد بأسه عن القوم المجرمين.
فإذا بنا نرى نعمة اللة علينا بهذه الثورة يقول تعالى "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ{5} وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ{6} القصص ويقول تعالى {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } يوسف110
إن هذه الثورة درس من الله عز وجل للمؤمنين قبل الطغاة بأن الله يعز من يشاء ويذل من يشاء يقول تعالى" قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"ال عمران 26
ولو نظرنا إلى مواقف الأنبياء والمرسلين في أوقات المحن لتعلمنا كيف تكون الثقة بالله فهذا رسول الله موسى علية السلام عندما خرج بقومه وأدركهم فرعون يقول تعالى" فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ{61} قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ{62} الشعراء ، فعندما قال أصحاب موسى علية السلام إنهم سيدركهم جمع فرعون ولا طاقة لهم به فالبحر من أمامهم وفرعون من خلفهم نسوا أمر هام لم ينساه نبي الله موسى علية السلام وهو قدرة الله فقد قال موسى كلا أي لن يدركونا إن معي ربي سيهدين طريق النجاة وقد كان ، فأوحي الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانشق اثني عشر فرقا فكان كل فرق كالجبل الضخم بينها مسالك سلكوها لم يبتل منهم احد.
كان إيمان رسول الله موسى علية السلام بأن الله منجية لاشك فيه حتى ولو لم يدرك الوسيلة والكيفية فهو يثق بان الله لن يخذله وعلى الرغم من اعتماده على الله عز وجل وحده ، والثقة بكفايته لم يقصر في فعل الأسباب المأذون فيها من غير اعتماد عليها ولا ركون إليها
ولو نظرت إلى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عندما دخل الغار ووصلت قريش إلى الغار فقد خاف أبو بكر الصديق على رسول اللة عندما رأى أقدام قريش أمام الغار ولنتأمل في موقف النبي صلى اللة علية وسلم - يقول تعالى {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمة الله أن من صنع الله لنبيه أن تعمى عنه عيون عداته وهو منهم على مد الطرف، ولم يكن ذلك محاباة من القدر لقوم فرَّطوا في استكمال أسباب النجاة، بل هو مكافأة من القدر لقوم لم يدعوا وسيلة من وسائل الحذر إلا اتخذوها، وكم من خطة يضعها أصحابها فيبلغون بها نهاية الإتقان تمر بها فترات عصيبة لأمور فوق الإرادة أو وراء الحسبان، ثم تستقر أخيراً وفق مقتضيات الحكمة العليا وفي حدود قوله تعالى:{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.فلم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذرة شك في إن الله منجية من هؤلاء المتربصين به من المشركين على الرغم من انه اخذ بكل أسباب النجاح ووصلوا إليه فثقته في نصر الله لم تتزعزع يوماً.
فنحن في أمس الحاجة أن نتربى ونربى أبنائنا على الثقة بالله وان الله تعالى لن يتخلى عن أوليائه أبدا مهما طال زمن الطغيان فالثقة بالبارئ عز وجل تندرج تحت التربية العقدية التي يهملها الكثير منا .
إن الاهتمام بتربية أبنائنا على العقيدة السليمة بتحفيظهم أركان الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر وان من أسماء اللة الحسنى القادر فهو الذي يقدر على عمل أي شيء ولا يوجد شيء يعجز عنه أبداً فهو القادر على أن يحيينا وهو القادر على أن يميتنا وهو القادر على أن يرزقنا وهو القادر على أن يعطينا ما نتمناه وأكثر .
و نلقنهم دائما أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك وذلك عندما ينسى شيء أو يفشل في إدراك شيء ولا يلعن اليوم ولا الدنيا ولا يقول الأمثال المخالفة للعقيدة وان يعترف بالخطأ إن لم يكن رآه أحد فيعترف به ، فإذا قوى إيمان الفرد وكانت عقيدته سليمة ، فلن تصدر عنه إلا التصرفات الطيبة التي تتفق مع عقيدته ، فالإيمان الصحيح أساس متين لتربية ثابته مضمونه النتائج ، نسأل الله أن نكون ممن يثقون باللة وفقنا اللة وإياكم لما فيه الخير والسعادة في دنيانا وآخرتنا .